سورة القصص - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} موسى أن خذ الكتاب بقوة {ولكن} أعلمناك وأرسلناك {رَحْمَةً} للرحمة {مّن رَّبِكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَلَوْ لاَ تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} عقوبة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والظلم. ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل عند العذاب {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ ءاياتك وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} {لولا} الأولى امتناعية وجوابها محذوف، والثانية تحضيضية، والفاء الأولى للعطف والثانية جواب (لولا) لكونها في حكم الأمر إذ الأمر باعث على الفعل والباعث والمحضض من وادٍ واحد، والفاء تدخل في جواب الأمر والمعنى: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولاً محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم يعني أن إرسال الرسول إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165] فإن قلت: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول (لولا) الامتناعية عليها دونه؟ قلت: القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال ولكن العقوبة لما كانت سبباً للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال فأدخلت عليها (لولا) وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويؤول معناه إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا.


{فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا} أي القرآن أو الرسول المصدق بالكتاب المعجز {قَالُواْ} أي كفار مكة {لَوْلا أُوتِىَ} هلا أعطي {مِثْلَ مَا أُوتِىَ موسى} من الكتاب المنزل جملة واحدة {أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ} يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام {بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ} من قبل القرآن {قَالُواْ} في موسى وهارون {سِحْرانِ تَظَاهَرَا} {ساحران تظاهرا} تعاونا {سِحْرَانِ} كوفي أي ذوا سحر أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر {وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ} بكل واحد منهما {كافرون} وقيل: إن أهل مكة كما كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن فقد كفروا بموسى والتوراة وقالوا في موسى ومحمد. ساحران تظاهرا، أو في التوراة والقرآن سحران تظاهرا، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فأخبروهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك: ساحران تظاهرا.
{قُلْ فَأْتُواْ بكتاب مّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا} مما أنزل على موسى ومما أنزل على {أَتَّبِعْهُ} جواب {فأتوا} {إِن كُنتُمْ صادقين} في أنهما سحران {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فاعلم أنهم قد ألزموا ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله} أي لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه و{بغير هدى} حال أي مخذولاً يخلى بينه وبين هواه {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}


{ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون} التوصيل وتكريره يعني أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعداً ووعيداً وقصصاً وعبراً ومواعظ ليتذكروا فيفلحوا {الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ} من قبل القرآن وخبر {الذين} {هُم بِهِ} بالقرآن {يُؤْمِنُونَ} نزلت في مؤمني أهل الكتاب {وَإِذَا يتلى} القرآن {عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ} من قبل نزول القرآن {مُسْلِمِينَ} كائنين على دين الإسلام، مؤمنين بمحمد عليه السلام، وقوله {إنه} تعليل للإيمان به لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن يؤمن به، وقوله {إنا} بيان لقوله {آمنا} لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده فأخبروا بأن إيمانهم به متقادم {أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن، أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب {وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة} يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} يزكون {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو} الباطل أو الشتم من المشركين {أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ} للاغين {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ} أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله {لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} لا نريد مخالطتهم وصحبتهم.
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم {ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء} يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات. قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أنه قال عند موته: يا معشر بني هاشم صدقوا محمداً تفلحوا. فقال عليه السلام: «يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك» قال: فما تريد ابن أخي؟ قال: «أريد منك أن تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله» قال: يا ابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت. وإن كانت الصيغة عامة، والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان وقد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء وإعطاء التوفيق والقدرة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10